رواية أولاد حارتنا للكاتب نجيب محفوظ
قلما أجد نفسي تائهاً في الحكم على شئ سواء كان عملاً فنياً أو أدبياً و من ضمن هذه الأعمال كانت رواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا ، من المؤكد أنك لا تعرف شيئاً عن الأدب العربي لو لم تسمع عن نجيب محفوظ ، نجيب محفوظ ابن البلد الذي حصل على جائزة نوبل للأدب هو علامة فعلية و بارزة في التاريخ الأدبي العربي بأكمله ، هذا الرجل كتب روايات و قصص قصيرة يصعب علينا احصاؤها بل و كلها أعمال شاركت في تشكيل أدبنا العربي ، أنا لم أر كاتباً عربياً قادراً على اتقان الوصف مثل نجيب محفوظ ، يمكنك أن تقرأ له الثلاثية ة القاهرة الجديدة و خان الخليلي و اللص و الكلاب و حكايات حارتنا و السمان لتعرف عما أتكلم عنه .
لكن هناك حرب شنت على هذا الرجل في وقت من الأوقات بسبب رواية كتبها بعد الثورة عام 1959 و كتبها لأنه رأى أن الثورة قد انحرفت عن مسارها الصحيح و هي رواية أولاد حارتنا التي يحكي فيها عن حارة مصرية يحكمها الجبلاوي في بيته الكبير و قد قال نجيب فيما يخص هذه الرواية "".. فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في أعمالي قبلها .. بل هي أقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة."
![]() |
رواية أولاد حارتنا |
هل كانت الرواية تستحق كل هذا الجدل ؟
شنت الحرب على نجيب محفوظ بسبب الاسقاطات الجريئة و الرمزيات التي ترمز بشدة لقصص الأنبياء مع الله و الناس و قد رأى الكثير أن الأمر فيه تعدي واضح على الذات الالهية و قداسة الأنبياء و يبدو للقارئ من أول فصل للرواية هذا الأمر .
بالفعل لا يأتي في خاطر القارئ بمجرد أن يشرع في قراءة الرواية الا قصص الأنبياء لكن في قالب أقل قيمة و قدراً لمكانتهم الحقة،اعترض شيوخ الأزهر وقتها على التي ذكرها في كتابه و طالبوا بمنع نشرها في مصر و كان المؤيد الوحيد لنجيب محفوظ هو محمد حسنين هيكل .
نبذة عن الرواية
و لعلك ترى الاسقاطات واضحة : تحكي الرواية عن الجبلاوي كبير الحارة الذي ينجب أبناء منهم أدهم و ادريس ثم يعطي الوقف لأدهم فيعترض ادريس فيطرده الجبلاوي لأنه يعارض ارادته ثم يحوم ادريس حول أدهم و زوجته ليجعلهما يعصيان الجبلاوي حتى يطردهما من البيت و هنا تبدأ معاناة أدهم ، و ترى هنا الرمزية الصارخة على قصة خروج آدم من الجنة بسبب ابليس و نرى هنا تقارب الأسماء التي استعان بها نجيب محفوظ مثل أدهم و ادريس .
.
تأخذنا الرواية بعد ذلك لعهد جديد و هو عهد جبل الذي تفهم من أول وهلة أنه رمز لموسى عليه السلام الذي ينقذ قومه من هول الناظر و فتوات الحارة و هكذا و هكذا ...
.
ما زاد الجدل وضوحاً هو آخر فصل في الرواية حيث يقتل عرفه الجبلاوي ، عرفه الذي لا يعرف عنه لا نسب و لا دين و هو يرمز الى العلم بكل تأكيد ثم يأتي و يقتل الجبلاوي الذي في الرواية هو رمز للذات الالهية ، فهل هذا معناه أن العلم ينفي وجود الاله أم أن نجيب محفوظ لم يقصد ، كنت أقرأ مرة مقالا للطبيب أحمد خالد توفيق و أشار فيه الى اعتقاده الشديد في ندم نجيب محفوظ تجاه كتابة هذه الرواية بالذات في مسيرته الأدبية
.
عموما الرواية لم تخل من متعة القراءة لوصف نجيب محفوظ و لو لم تنتبه للرمزيات فلن تنزعج من الرواية بل ستحبها بسبب الوصف و السرد الرائع الذي لا يتفوق فيه أحد على نجيب محفوظ من وجهة نظري